الكيان الصهيوني يواجه “مسيرة العودة” بالقناصة.. والدعاية
المجد – وكالات
حينما نتحدث عن ندرة ونوعية الفكرة والنهج الخاصَّين بـ"مسيرة العودة" السلمية التي انطلقت شرارتها، على حدود غزة، الجمعة، في ذكرى "يوم الأرض"، بعد سنوات من تصدّر المشهد العسكري كحالة وحيدة للنضال الفلسطيني، وتحديداً في قطاع غزة، فإننا نعي حتماً، الدوافع والأسباب التي تقف خلف ضخامة الحملة الإعلامية الصهيونية غير المسبوقة، والتي بدأت قبل المسيرة بأيام، مُوجهة للفلسطينيين والمجتمع الدولي في آن.
اللافت أن وزراء ومسؤولين عسكريين وسياسيين في الدولة العبرية التحموا في هذه الدعاية، لدرجة أن بعضهم وجه رسائل باللغة العربية للغزيين للمرة الأولى، علّهم ينالون من المسيرة ويقتلونها في مهدها، وهي الغاية الصهيونية التي لم تتحقق حتى الآن.
والحال، أن وسائل إعلام عبرية متعددة تقاطعت في حملتها الدعائية المحرّضة على مسيرة العودة مع خطاب المؤسسة الرسمية بشكل لافت، بدءاً من لحظة الإعلان عنها في خمس مناطق حدودية مروراً بتحولها إلى واقع عملي. فقد ربطت بين المسيرة وفصائل تنظيمية مُنذُ الوهلة الأولى؛ لنزع صفة السلمية والشعبية عنها، بالتوازي مع تعظيم مخاوف ومزاعم الكيان الصهيوني الأمنية، مروراً بدق "إسفين" بين الفلسطينيين أنفسهم، من خلال الادعاء باستغلال بعض الفصائل لأبناء المجتمع وانتهاءً بترهيبهم من مغبة الاقتراب من "السياج الأمني".
ورغم أن مستقلين ومثقفين كانوا مصدر البذرة الأولى لفكرة مسيرة العودة، والتي يُؤمل أن تستمر حتى منتصف مايو/ ايار المقبل، إلا أن الخطاب الرسمي والاعلامي الصهيوني حاول أن يُزوّر الحقيقة أمام الرأي العام الدولي من خلال زعمه أن فصائل هي من تقف وراءها، رغم نفي القائمين عليها وتأكيدهم أن المسيرة تمثل جميع أطياف الشعب الفلسطيني سواء كانوا مُحزّبين أو مُستقلين.
وتجلى ذلك في عناوين طغت على وسائل إعلام صهيونية؛ فبدت كما لو أنها موحدة في نشر الإرباك والتضليل بين الفلسطينيين وكذلك الحال بالنسبة للعالم.
وفي العناوين سالفة الذكر، محاولة صهيونية لإثارة الفرقة الفلسطينية وإظهار حالة من عدم الإجماع على "مسيرة العودة" من ناحية الفكرة والوسيلة؛ رغبةً في إفشالها والتأثير على زخم المشاركة فيها. فدولة الاحتلال تخشى نهج المسيرات الشعبية السلمية لما تحمله من رسالة راقية مُجسّدة للوحدة الفلسطينية بالصوت والصورة، لكنها مُؤلمة للعدو الصهيوني امام العالم، ناهيك عن فقدان قدرتها في مثل هذه الحالة السلمية على تبرير عدوانها، بعد أن استسهلت ذلك- غالباً- عندما سيطر المشهد العسكري على العمل الثوري الفلسطيني.
يمزج الإعلام الصهيوني بين مرحلة تزييف حقيقة المسيرة ووصفها بالفوضى لا العودة، والإرهابية لا السلمية، كما يدعي الناطق بلسان الجيش الصهيوني افيخاي ادرعي على صفحته الفايسبوكية، كذلك مرحلة تهديد وترهيب الفلسطينيين عبر نشر تصريحات لقادة عسكريين كبار في الكيان الصهيوني، حذروا فيها من خطورة المشاركة في مسيرات العودة، ولوّحوا بمئة قناص صهيوني على طول الحدود، بالترافق مع تعزيزات عسكرية ضخمة، وأدوات نوعية لمواجهة اي سيناريو بإجتياز آلاف الغزيين لما يعرف بالسياج الأمني.
وفي السياق، وردت تغريدة لافتة لوزير الحرب الصهيوني أفيغدور ليبرمان على صفحته في "تويتر"، باعتبارها الأولى التي ينشرها باللغة العربية، إذ يتوعد فيها أهل غزة بأن كل من يقترب من السياج الأمني يعرض حياته للخطر.
بيدَ أن الحملة الإعلامية الصهيونية التي سبقت مسيرة العودة لم تفلح في افشالها ولا تقزيم حجم المشاركة فيها، بل كانت ضخمة ومؤثرة، وسقط في يومها الأول 16 شهيدا واكثر من 1200 جريح، جرّاء مبالغة قوات الاحتلال في قمع المتظاهرين السلميين، ما يعكس مدى استفزاز الكيان الصهيوني من مشهد المسيرة الشعبية.
وفي مقابل الموجة المفتوحة التي خصصتها الإذاعة الصهيونية العامة ومعها بقية وسائل الاعلام العبري المختلفة في اليوم الأول للمسيرة، لتغطية وقائعها، خرج الإعلام الفلسطيني هو الآخر بتغطيات مفتوحة للحدث غير المألوف.
وبالتوازي مع الميدان، تفاعل الفلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي، على اختلاف مرجعياتهم الفكرية والمناطقية، مع مسيرة العودة السلمية والتي رُفع فيها العلم الفلسطيني، وغابت أعلام ولافتات الأحزاب وشعاراتها.
ولم تكتف دولة الاحتلال بالبروباغندا المضادة لمسيرات العودة والتحريض عليها ونزع شرعيتها، عبر إلزام إعلامها باتباع هذه اللهجة، فحسب، بل بعثت وزارة خارجيتها رسالة إلى كل ممثلياتها بالعالم، لالتزام النهج نفسه وأمرت بإيصالها للرأي العام والمسؤولين في كل دول العالم.
في المقابل، برزت أقلام صهيونية ناقدة لطريقة التعامل الصهيوني مع التظاهرات السلمية على تخوم غزة، لا سيما ما جاء في صحيفة "يديعوت احرونوت" التي رأت ان التعامل العسكري قد يحل الأمر مؤقتا، لكن لن يحله جذرياً؛ لأن الأسباب الموجبة لمسيرات العودة ستبقى قائمة، مالم يتم التوصل لحلول سلمية نهائية.
ولعل الجولة التي قام بها جنرالات في الجيش الصهيوني على حدود غزة مع انطلاق مسيرة العودة في يومها الأول، لمتابعة سير التعامل مع التظاهرات، فإنها تفسر دوافع ومكامن خطاب الكيان الصهيوني المرتبك لمستوى غير مسبوق، ليس من منطلق أمني فقط، بل وأيضاً لِما تمثله المسيرة من خطورة على دعايتها التي تُروج لها طيلة سنوات؛ ما يثبت بالنسبة للفلسطينيين أن هناك نهجاً سلمياً يؤكد بالصوت والصورة أن دولة الاحتلال وحدها من تتحمل مسؤولية معاناة ومأساة غزة، وليس اي شيء اخر.