مسيرات العودة، مواجهات داخل وخارج الميدان
المجد – خاص
يُمارس الفلسطينيون هذه الأيام نوعا فريدا من المقاومة الحقيقيّة للاحتلال الصهيوني ليُسجّل صفحةً جديدة من صفحات المقاومة التي امتدّت منذ الإضرابات ضد الانتداب البريطاني إلى المعارك القرويّة والشعبيّة إلى الخُطب والتوعية السيّاسية إلى الانتفاضات والهبّات الجماهيرية إلى حركات المقاطعة الاقتصادية والسياسية والأكاديمية للاحتلال وصولا إلى المعارك العسكرية المباشرة والمواجهات المسلّحة مع جيش الاحتلال.
هذا الشكل القديم المتجدد من المقاومة الشّعبّية الذي حمل اسم مسيرة العودة لفت انتباه العالم واسترعى سمعه وبصره ليشهد على تمسّك الفلسطينيين بحقوقهم وكفاحهم لأجل نيلها، فقد فتحت هذه المسيرة بحداثة فكرتها وحجم الالتفاف الجماهيري حولها عيون القاصي والدّاني إلى هذا الشّعب المُهمّش المُحاصر المُحارب في قوته وقوّته، أي في رزقه ومعيشته ورواتب أبنائه، وفي تمسّكه العضوض بحقّ المقاومة والثبات على كافّة أساليبها التي ليس لها رأس إلا الحِراب.
هذه المسيرة بلا شكّ تُعدّ خنجرًا في خاصرة الاحتلال الصهيوني، وشوكة تقُضّ مضجعه وتؤرّق منامه، وهو لا ينأى ولا يألو جهدا عن مُحاربتها وافشالها وصرف النّاس عنها بكلّ ما أوتي من قوة وبكلّ ما أُعطي من أساليب، فهو يُحارب مسيرة العودة علنًا في ميدانها على الأرض في مواقع المخيّمات الخمسة المختلفة كما يُحاربها إعلاميّا ببثّ الأكاذيب وحرف البوصلة عن سلميّتها ليجد مُبرّرا لبشاعة قمعه لها، والأخطر من ذلك أنه يحارب المسيرة باستخدام أبناء جلدتنا إمّا بتخويفهم أو بترويضهم ليكونوا معاول هدم وخراب لها.
إنّ استهداف الاحتلال للمدنيين العُزّل والمعتصمين السّلميّين لأمرٌ مُحرج لكيانهم أمام حلفائهم في العالم وخاصّة العالم الغربي، ولكنّه مع ذلك يستمرّ في هذا الاستهداف المُتعمّد والمقصود للمدنيّين، فهل يقوم بذلك اعتباطًا أو من باب سوء تقدير الموقف؟ بالتأكيد لا، فالاحتلال يمارس عنجهيتّه هذه من باب الحرب الصريحة على مسيرة العودة في لبّ ميدانها لكسر خصلة الشّجاعة والاقدام لدى الشاب الفلسطيني، فينطوي بعيدا عن المشاركة في المسيرات خشية التّعرضّ لإصابة من رصاص الاحتلال أو من الغازات التي يُطلقها صوب المعتصمين ربما تودي بحياته أو تُقعده أسير إعاقة مستديمة أو غير ذلك، يحاول الاحتلال ببطشه في استخدام القوّة والرصاص الحي والقنابل الغازية إثارة عاطفة الأبوة لدى عوائل الشباب ليقفوا في وجه أبنائهم عن المشاركة والاستمرار في هذا النّهج من المقاومة.
في صعيدٍ آخر يقوم الاحتلال بدوره الإعلامي خارج ميدان المسيرة المتمثّل في شيطنة المسيرة وربطها بالإرهاب والتركيز على خلفيّات الشّهداء وانتماءاتهم لفصائل المقاومة وكأنّهم كمقاومين لا يمتلكون الحقّ الشعبي شراكة مع المدنيين في الأرض والحريات والحقوق، كما يركز الاحتلال على تصوير المسيرات السّلمية على أنها مظاهرات تخريبيّة أو فوضوية وينعق بهذه المصطلحات عبر جميع وسائله الإعلامية الرسميّة وغير الرسميّة بكلّ اللغات المتاحة وفي سابقة من نوعها يتحدث كبار المسؤولين الصهاينة عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية لبث ادّعاءاتهم وغرسها في عقول الفلسطينيّين الباطنة.
من المُلاحظ أن الاحتلال وفي كلا أسلوبي مجابهته للمسيرة سواءً داخل الميدان أو خارجه أنه يُوجّه رسائل صريحة أحيانا ومُبطّنة أحيانا أخرى لأبناء شعبنا ولشباب وطننا، وهو ما نجد فعليّا شيئا من آثاره على مواقف بعض النّشطاء من الشباب أو المسؤولين، فنجدهم في صفّ الاحتلال –بقصد أو بغير قصد- يُشجّعون على وقف المسيرات والرّضوخ لآلة التخويف الصهيونية تارة، ويردّدون تارةً أخرى اتّهامات الاحتلال لفصائل المقاومة بالوقوف خلف المسيرات تحت مسمّيات الحياد ونبذ التنظيمات التي تُحاول "ركوب الموجة" وهي لم تكن ولن تكون منذ بداية المسيرات وحتى انتهائها منتصرةً محققة أهدافها إلا جزءً من المكونات الشعبية التي دعمت وأنجحت المسيرات.
إن هذه المسيرة تُحقق في كلّ يوم وفي كلّ أسبوع مزيدا من الأهداف والغايات، وتحصد ساعةً بعد ساعة مزيدا من التّأييد العالمي للحراك، وتُسقط مع كلّ رصاصة تُصيبُ شهيدا أو تُعيق جريحا مزيدا من أجزاء قناع الديموقراطيّة والإنسانيّة المُزيّف التي تُخبّئ ورائه دولة الاحتلال وجهها البشع، وعلى الطرّف الآخر فإنّها تتلقى يوما بعد يوم مزيدا من الضّربات الصهيونية في جبهتيها الداخلية والخارجية، والحذر الحذر من أن نكون أعوانا للاحتلال في ضرب مقاومتنا ومسيرتنا، والحذر الحذر من اتّباع من ارتضى أن يكون في صفّهم.