دار الأرقم .. نموذجاً نبوياً في التربية الأمنية
المجد – خاص
تأتي روايات قيمة تبين لنا الحذر النبوي، وكيف تأثر الصحابة بمنهجية رسول الله في التربية الأمنية لأصحابه.
من مظاهر السرية العجيبة في ذلك الوقت أيضاً اجتماع الرسول والصحابة في دار الأرقم 13 سنة دون أن يكتشف أمرهم.
مكة بلد صغير، وصغير جداً، وأهلها جميعاً يعرف بعضهم بعضاً، فكيف يأخذ المسلمون الحذر حتى لا يعرف أحد مكانهم بهذه الصورة العجيبة، إنه حقاً أمر يدعو للدهشة! فلم نسمع عن مداهمة واحدة من كفار قريش للمسلمين في دار الأرقم.
ولعل سائلاً يسأل: لماذا دار الأرقم بالذات؟ لماذا لم يجتمعوا في بيت رسول الله أو في بيت أحد الصحابة الآخرين؟
إن التفكير في هذا الأمر يوضح لنا مدى الفقه الأمني عند رسول الله، ومدى الوعي والفهم العميق لظروف المكان الذي يمارس فيه الرسول دعوته.
وفيما يلي أسباب اختيار النبي (صلى الله عليه وسلم) لدار الأرقم بن أبي الأرقم:
أولاً: الأرقم لم يكن معروفاً بإسلامه، فلن تتم مراقبة بيته من قريش، أما الرسول أو الصحابة الذين اكتشف أمرهم فلا تصلح بيوتهم لهذا الأمر.
ثانياً: الأرقم من بني مخزم، وهي القبيلة المتنازعة دائماً مع بني هاشم، فرسول الله وكأنه يجتمع في عقر دار العدو، ولن يخطر بذلك أبداً على أذهان زعماء أهل مكة.
ثالثاً: الأرقم كان بيته بعيداً عن الصفا، لم يكن في قلب المدينة، ولم يكن هناك كثير من المارة في هذه المنطقة، إضافة إلى أنه لم يكن هناك بيوت كثيرة حول بيت الأرقم يمكن أن يستخدمها أهل قريش للمراقبة.
رابعاً: الأرقم كان يبلغ من العمر 16 عاماً فقط – الصف الأول أو الثاني من المرحلة الثانوية – فهو شاب صغير ولن يشك فيه أهل مكة، قد يعتقد أهل مكة أن الرسول سيعقد اجتماعاته في بيت رجل من كبار صحابته، في بيت أبي بكر الصديق، أو في بيت عثمان بن عفان، أو في بيت عبد الرحمن بن عوف، ولم يكن يدور بخلدهم أن تكون تلك الاجتماعات الخطيرة في بيت هذا الشاب الصغير، هذا احتمال بعيد جداً عن أذهان قريش.
كل ذلك يظهر عمق الوعي الأمني في اختيار مكان اجتماع التنظيم النبوي، ولا يقف العجب هنا بل يتعدى إلى قوة بأس الأرقم الذي أخذ على عاتقه هذه المهمة الخطيرة للغاية، أن يجعل من بيته مقراً لاجتماعات الرسول وأصحابه، مع العلم أنه لو اكتشف أمره فقد تكون نهايته، وبالذات أن زعيم بني مخزوم (قبيلة الأرقم) هو أبو جهل فرعون الأمة، وأعتى أهل قريش على المسلمين.