عين على العدو

الضعفاء يقعون ضحايا.. مطاردة أموال حماس

 


قبل نحو شهر ونصف الشهر في 26 ايار (مايو) وقع وزير الدفاع ايهود باراك علي أمر تقرر فيه اعتبار 36 جمعية خيرية اسلامية تعمل في الشرق الاوسط وفي العالم تنظيمات غير مسموح بها . ومؤخرا سجل نصر هام لهذا الامر. تبرع ببضع الاف الشواكل لشراء كراسي معوقين، بعثت بها احدي هذه المنظمات، صودرت.


ذريعة الامر هي عضوية الجمعيات في اطار تنظيمي يحمل اسم ائتلاف الصدقات ، الذي تأسس في العام 2001 لنقل المساعدات الانسانية للفلسطينيين في عهد الانتفاضة. هذا الائتلاف مشبوه الان في أنه قناة تدفق الاموال نحو حماس، وبالاساس مصدر تمويل لنشاط الترويج وبناء البنية التحتية المدنية للحركة.


لائتلاف الصدقات رئيس شرف هو الشيخ يوسف القرضاوي احد المفكرين المسلمين الهامين. وهو ينتمي الي التيار الاسلامي الذي يربط بين أفكار مؤسسي حركة الاخوان المسلمين في مصر وبين التقدم والحداثة. هذا التيار يعارض العنف كوسيلة لتوسيع مجال نفوذ الاسلام، ولكنه يسمح بالعمليات الانتحارية في المناطق لانه ليس للفلسطينيين سلاح آخر غير جسدهم .


الصلة بين معظم المنظمات العربية والجمعيات الخيرية في المناطق لا تحتاج الي اثبات. فمعظم المنظمات تذكر ذلك صراحة بل ان بعضها ينشر رقم حساب البنك الذي يمكن ايداع اموال التبرعات فيه. في حديث هاتفي مع مندوبي جمعية خيرية شكلها امير دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مختوم شرح بان الصندوق لا يعني بالدعم السياسي. هذا صندوق خيري أهدافه هي الرفاه للفقراء، التنمية والازدهار للمسلمين والعرب في ارجاء العالم . أقوال مشابهة قالها مندوب جمعية قطر الخيرية والتي هي الاخري في القائمة التي نشرها وزير الدفاع. هاتان الجمعيتان لم تسمعا بالامر، وطلبتا نقل نسخة عنه اليهما بالفاكس.


 


تمويل يدين صاحبه


مع أن تمويل ومساعدة الجمعيات الخيرية في المناطق ليس بالضرورة مساعدة مباشرة لحماس، هنا تكمن المشكلة الاولي في الامر ضد الجمعيات. بعد شهر من نشر الامر، في 26 حزيران (يونيو)، وقعت جمعية أمير دبي الخيرية، المندرجة في القائمة السوداء علي اتفاق تعاون مع الدفيئة التكنولوجية الفلسطينية. هذه الدفيئة التي يديرها ليث قسيس، من خريجي جامعة ويسكنسون، تتطلع الي توسيع امكانيات التشغيل والاستثمار للفلسطينيين في مجالات الاتصال والتكنولوجيا. كما تمول الدفيئة ايضا من وكالة المساعدة الامريكية ومستثمرين فلسطينيين وشركات اوروبية.


هذه ليست دفيئة اسلامية وهي لا تعود الي حماس. علاقتها مع جمعية امير دبي الخيرية هي في اطار المشروع الذي أعلن عنه الامير قبل سنة وبموجبه ستخصص الجمعية 10 مليارات دولار لتقدم التعليم والتنمية التكنولوجية في الدول العربية بشكل عام. صحيح أن رئيس الدفيئة القي ذات مرة محاضرة امام طلاب في الجامعة الاسلامية في غزة كي يشرح لهم فكرة الدفيئة، ولكن لا يعني هذا الامر ان الدفيئة تساعد حماس.


المشكلة هي أنه من الناحية القانونية، الدفيئة التكنولوجية هي الاخري تصبح مجرمة فقط لانها تستعين بالمال الذي تنقله اليها جمعية خيرية تساعد أيضا مؤسسات متفرعة عن حماس. والمؤسسة التعليمية في الخليل والتي تعني بالاطفال الذين يحتاجون الي المساعدة وتستعين بالاموال التي انتقلت اليها من الجمعية الخيرية لاتحاد الامارات وكذا المخيمات الصيفية لحماس، الممولة من ذات الصندوق، تصبح مؤسسات مجرمة.


الموضوع هو ان جزءا من الجمعيات التي اصبحت في اعقاب الامر غير مسموح بها، ساهمت وتساهم ماليا بالاموال لمؤسسات خيرية قيد معالجة السلطة الفلسطينية، محمود عباس والبلديات التي لا تديرها حماس. الاموال تنتقل من هذه الجمعيات الي مؤسسات وجمعيات عربية في اسرائيل هي الاخري ستصبح مجرمة حسب الامر اذا ما واصلت تلقي التمويل من تلك الجمعيات.


مطاردة المصادر المالية لحماس هي وسيلة هامة للغاية لمن يعتقد أنه يمكن اعاقة تطور الحركة والمس بقدرتها علي توسيع دائرة مؤيديها. هكذا فعلت حكومات الجزائر، مصر، تونس والمغرب حين حاولت ضرب وسائل التمويل ووضع يدها علي الحسابات البنكية او حبس رجال اعمال بارزين ينتمون الي الحركات الاسلامية المعارضة.


ولكن في هذه الدول ايضا ظهرت الصعوبة التي ستقف امامها حكومة اسرائيل. فالجمعيات الخيرية وجدت دوما السبيل للعثور علي قنوات خفية لتلقي المساعدة اللازمة لها والتميز عن منظمات الارهاب، وحماس لا تعتبر منظمة ارهاب في الدول العربية، والمساعدة للمؤسسات الخيرية هو جزء لا يتجزأ من الثقافة.


 


ممر حر


لاسرائيل مشكلة اصعب. القدرة علي مراقبة نقل الاموال الي هذه الجمعيات محدودة جدا. فالاموال التي ترسل من الدول العربية الي المناطق وان كانت تمر عبر ترشيح اسرائيلي من خلال ثلاثة بنوك، وفي كل مرة يظهر فيها اسم احدي الجمعيات يطلق الحاسوب معطيات التحويلة ولكن يمكن ببساطة صياغة اسماء جديدة لهذه الجمعيات او نقل الاموال يدويا.


احد نشطاء الجمعيات المتبرعة في دبي شرح لصحيفة هآرتس بان التبرعات ينقلونها عبر بنك في الاردن الي مشاريع تصادق عليها الجمعية. مدير الجمعية في المناطق الذي يفترض به أن يتلقي التبرع يحصل علي المال الي حساب بنكي يدار هو الاخر في الاردن او في المناطق. واحيانا ينقل المال نقدا من الاردن الي الضفة، واحيانا في تحويلة بنكية. عمليا لا يوجد سبيل للرقابة علي هذه التحويلات او منع فروع البنوك في الاردن من نقل الاموال الي نظرائها.


حماس بالمناسبة، تمتعت في الماضي بمكانة لا يعرقلها شيء من التبرعات بواسطة البنك الايراني الكبير مالي ، والذي جمد نشاط فروعه في اوروبا الشهر الماضي في اطار الاجراءات العقابية الجديدة علي ايران. بنك مالي يواصل العمل في الاف فروعه في ايران وفي بعض الدول الاسلامية. وهو يمكنه أن ينقل تبرعات لحماس ايضا بشكل قانوني. ولشدة السخف فانه هو بالذات لا يندرج في قائمة المنظمات غير المسموح بها في اسرائيل.


سؤال آخر يتعلق بمدي المس المحتمل بحماس من خلال تشويش نشاطاتها المدنية. ليس لهذه النشاطات اليوم بديل في مؤسسات السلطة الفلسطينية. العيادات الصغيرة في غزة، المخيمات الصيفية للاطفال، محطات توزيع الغذاء في مخيمات اللاجئين، دوائر تنمية الشباب لكل هذه تجد السلطة الفلسطينية والبلديات صعوبة في ايجاد حلول. النشاط المدني لحماس يتم احيانا في المنازل الخاصة بل وحتي في المدارس التي تديرها وزارة التعليم في السلطة.


مسؤول كبير في بلدية الخليل قال لـ هآرتس نحن راضون انه يوجد للاولاد ما يفعلونه بعد ساعات التعليم ولا نفحص اذا كانوا هم في دائرة يديرها معلم ينتمي الي حماس. فنحن لا نفحص اذا كان هذا المعلم ينتمي الي تيار سياسي معين. نحن مسرورون دوما لتلقي التبرعات حتي من المنظمات المانحة في دبي، في الكويت او في السعودية .


للاعلان عن هذه المنظمات كاتحادات غير مسموح بها وان كانت هناك أهمية تصريحية وتفتح جبهة جديدة حيال حماس ولكن يبدو ان هذا الاعلان بشكل عملي سيصعب علي اسرائيل تحقيق ما تطمح اليه فيه، فليست فقط التجربة غير الناجحة لمصر في ضرب مصادر تمويل حركة الاخوان المسلمين تثبت الصعوبة، بل ان الولايات المتحدة لم تنجح علي مدي السنين في منع اموال المنظمات الاسلامية في اراضيها او حتي متابعتها. بعض هذه الاموال شقت طريقها الي القاعدة أيضا.


كي ينجح هذا الكفاح، تحتاج اسرائيل ايضا الي تعاون وثيق من السلطة الفلسطينية التي يمكنها أن تراقب علي الاقل حركة الاموال في البنوك او ان تشكل صندوقا نظيفا يتلقي المال من مصادر مسموح بها. ولكن حتي الان تمتنع السلطة عن اقامة مثل هذا الصندوق. ومع ان السلطة تمس بالصدفة بمؤسسات حماس في الضفة (في غزة لا يمكنها عمل شيء)، ولكن هي ايضا لا يمكنها أن تظهر كمن يمس بمؤسسات الرفاه والصدقات، ولا سيما عندما تكون علي جدول الاعمال مبادرة مصالحة بين حماس وفتح. يبدو أنه حتي يوجد السبيل الناجع لمكافحة البنية التحتية لحماس، سيبقي المعوقون، الاطفال والامهات في المناطق يشكلون جبهة للمساعي الاسرائيلية.


 


مراسله الصحيفة للشؤون العربية


هآرتس14/07/2008

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى