عين على العدو

التعامل مع حماس: موقفان إسرائيليان

في الأخبار، أن اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز الاستخبارات المصري المكلف بالملف الفلسطيني، تعهد لوفد من حركة حماس بفتح معبر رفح من جانب مصر في حال رفض الحكومة الإسرائيلية الوساطة المصرية للتهدئة فقبل الوفد بالوساطة وببنودها كاملة على نحو مبكر. غير أن مفاوضات التهدئة تعرضت للتأخير لأسباب سياسية داخلية إسرائيلية، فقد أجل (إيهود أولمرت) رئيس الوزراء الإسرائيلي مناقشة التهدئة لحين عودته من واشنطون، في حين أعلن (إيهود باراك) وزير الحرب، أن “الاتفاق على التهدئة مازال بعيداً جداً”، وهذا يعني إما استمرار الحصار وإما الإعداد لاجتياح عسكري كبير للقطاع على “أمل” نجاح “إسرائيل” في تصفية المقاومة فيه.


 


والمعروف أن الموقف من التهدئة مع “القطاع” يعبر عادة عن الانقسام بين المتطرفين و”المعتدلين” الإسرائيليين، بين أولئك المؤيدين للقيام بخطوة مدروسة عسكرياً تحطم حكم حماس في غزة وتنهي إطلاق الصواريخ، وبين من يؤمنون “بالتقاء المصالح” بين “إسرائيل” وحماس بوساطة مصرية. ولعل من أبرز العوامل التي تعوق التوصل إلى الاتفاق هو عدم تسليم “إسرائيل” بحقيقة أن “حماس” عززت سيطرتها على القطاع، وتمتلك قوة عسكرية تستطيع استفزاز الجيش الإسرائيلي، وإثارة الانطباع بأن قبول “إسرائيل” وقف إطلاق النار يوفر الشرعية لحماس ويعرقل مصالح “إسرائيل” في تصفية الحكم في غزة واستعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع.


 


الموقف الأول عبر عنه “ميرون بنفنستي”، في مقال له نشر في “هاآرتس” بعنوان “شق الشعب الفلسطيني مصلحة إسرائيلية بعيدة المدى.. نقطة اللاعودة في غزة” قال فيه: “وقف إطلاق النار المترافق مع تسوية في المعابر خصوصاً معبر رفح سيؤدي إلى ترسيخ حكم حماس وإلى تكريس بناء أجهزة “سلطوية” متشعبة بعيداً عن الأجهزة القائمة في الضفة الغربية. ويبدو أن وقف إطلاق النار، حتى إن كان هشاً، سيكون مؤشراً لنقطة اللاعودة في الانشقاق الفلسطيني وانفصال المجتمع “الغزاوي” في كيان مستقل”. ويضيف: “من الممكن اتهام “إسرائيل” بالتسبب في سيطرة حماس من خلال سياستها المنهجية لعزل القطاع. بالدرجة نفسها يمكن الادعاء أن عزل الضفة عن القطاع بنيوي داخلي وأن سكان الضفة خافوا دائماً من إغراقهم بسكان غزة ولذلك لم يحتجوا بصوت مرتفع على عدم تطبيق اتفاق المعبر الآمن بين الضفة والقطاع. وسواء كانت المهارة الاستراتيجية التي تمخضت عن الثمار منسوبة إلى “إسرائيل” أم إلى المصادفة، من الواضح أن شق الشعب الفلسطيني يخدم المصلحة الإسرائيلية البعيدة المدى”.


 


وفي السياق ذاته، جاء موقف رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي (يوفال ديسكين) حين دعا “إسرائيل” خلال اجتماع حديث للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست إلى الاستعداد لتنفيذ عملية واسعة النطاق في قطاع غزة، وأضاف: “إذا استمر تراجع حركة فتح وحالة الضعف التي تعيشها مقابل الأطراف والجهات المتطرفة الفلسطينية فلن يكون هناك مناص من تعميق وتعزيز العمليات”، الأمر الذي دعا رئيس لجنة الخارجية والأمن السابق عضو الكنيست عن حزب الليكود (يوفال شتاينتش) إلى التعليق على أقوال (ديسكين) بأنها “واضحة وجلية وأنه لا يوجد خيار سوى تنفيذ عملية “الجدار الواقي 2″ حتى لا تتحول غزة إلى جنوب لبنان ثانية وتصل الصواريخ حتى أسدود وتل أبيب”. في المقابل، ومع أن القناعة بضرورة التعامل مع حماس ـ ولو بشكل غير مباشرـ لا تتمتع بتأييد كبير في الساحة السياسية الإسرائيلية، فإن أصواتاً تعتبر أنه لا مناص ل”إسرائيل” من التفاوض مع حماس. وفي نطاق الطرح القائم على ضرورة تفاهم “إسرائيل” مع حماس “رغم دمويتها” مع إعطائها فرصة للعيش ضمن شروط تضمن الأمن ل”إسرائيل” من قبل دولة إسلامية منزوعة السلاح، يقول (آري شبيط): “جارنا قاتل لكنه ليس هذيانياً. لديه أسباب جيدة لكراهيتنا. قبل 60 عاماً بالضبط أخذنا من أمهاته وآبائه بلادهم وهجرنا قراهم ودمرنا منازلهم وأزلنا فلسطينهم عن الخريطة. وفي صيف 1948 طردناهم حتى غزة. هؤلاء المهاجرون ذاقوا الحسرات التي تحولت مع الزمن إلى كراهية عميقة. كراهية تحولت إلى مطلب بالعدالة المطلقة التي لا تبقي مكاناً للحياة، خصوصاً أنها ليست حياتنا نحن”. وفي سياق التخوف من تزايد قوة الجار بحسب (شبيط) يضيف: “هناك طريقتان فقط لمواجهة الجار القاتل: ضربه أو نزع سلاحه. من المحتمل أن تضطر “إسرائيل” إلى دخول كرافان الجار وإزالته ولكن قبل الانجرار إلى غزة يجدر بنا استنفاد الإمكانية الأخرى. يجدر أن نعرض على حماس صفقة: جمهورية إسلامية في غزة مقابل نزع سلاح كامل. حياة مرضية للإخوان المسلمين مقابل تنازل تام عن العنف والتسلح”.


 


غير أن الموقف الأكثر وضوحاً جاء من الجنرال (غيوا ايلاند) رئيس مجلس الأمن القومي رئيس شعبة التخطيط في الجيش سابقاً الذي كتب يقول: “أرى أن السياسة الإسرائيلية ـ الأمريكية بحصار حماس وعزلها ودعم طرف في الساحة الفلسطينية ضد طرف آخر أوجدت أربع نتائج سلبية:


 


الأولى: تل أبيب تعتبر متدخلة في شأن فلسطيني داخلي والنتيجة معاكسة لما هو مرغوب فيه.


 


الثانية: عدم الاعتراف بواقع أنه يوجد في غزة حكم يتحكم فيما يحصل ولا يتحمل المسئولية في الوقت نفسه.


 


الثالثة: ليس لدى حماس ما تخسره فلا احتمال أن ترغب في وقف إطلاق النار.


 


الرابعة: تواصل “إسرائيل” تحمل المسئولية عن رفاه سكان غزة في ظل التجاهل أن لديهم حكماً وهو الذي يجب، بل يرغب، في أن يكون مسئولاً”.


 


الجنرال (ايلاند) اختتم مقاله بالتأكيد أن “السياسة الإسرائيلية المتبعة حالياً ستؤدي آجلاً أم عاجلاً إلى عملية عسكرية واسعة لاحتلال غزة رغم أنه من الأفضل تكوين ردع ناجح على عملية كهذه. والردع الناجح يمكن تحقيقه فقط إذا كان هناك طرف آخر يتحمل المسئولية ولديه ما يخسره”.


 


أما في صفوف الجنرالات المتقاعدين فاللغة أكثر صراحة تجاه التفاوض مع حماس، فرئيس جهاز الأمن العام “الشاباك” السابق الجنرال (يعقوب بيري) عبر عن موقف مبدئي مرحب، حيث يتوقع مرحلة من التفاوض كجزء من الجهود للتوصل إلى اتفاق، ويستطرد في شرح وجهة نظره فيقول: “إن محمود عباس أو أي قائد آخر لا يستطيع عقد التسوية معنا إذا لم يشمل ذلك قطاع غزة وهذا يعني أننا في نهاية المطاف – مباشرة أو مواربة – سنضطر إلى الدخول في شكل من أشكال الحوار مع حماس ولو من أجل مساعدة قيادة فتح”. الفكرة نفسها يوافق عليها (داني ياتوم) رئيس جهاز “الموساد” السابق الذي يعتقد أن على “إسرائيل” ترك مهمة التفاوض مع حماس لعباس: “الأفضل أن يتفاوض أبومازن معهم لترتيب الأوضاع أما نحن فليس علينا أن ننظف الحظائر من أجلهم. أنا أعرف أن أبومازن مستعد للتفاوض معهم وأنا أعرف أنه يفعل ذلك على الرغم من أنه يصرح بصورة معاكسة”. وهكذا يستمر الطرح المنقسم إسرائيلياً بين تيارين مهمين، وننتظر لنرى لمن تكون الغلبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى