ما وراء تحرير الأسرى
ما مغزى النجاح الذي حققه «حزب الله» اللبناني في حمل إسرائيل على إطلاق سراح أسرى من المقاومة اللبنانية؟ السؤال يقود بالتداعي المنطقي إلى سؤال: هل كان بوسع حزب الله أن يحقق هذا الانتصار السلمي بغير وسيلة القوة القتالية التي تتمثل في المقاومة الميدانية المسلحة وإلحاق هزيمة تلو هزيمة بالجيش الإسرائيلي؟
حزب الله ليس دولة. ومع ذلك فانه يحظى باحترام من العدو، لا تحظى به الدولة اللبنانية الرسمية أو السلطة الفلسطينية أو الحكومات العربية، لأنه في مواجهة قوة احتلالية أجنبية يعتنق ويمارس ثقافة القوة الخشنة القائمة على ايديولوجية دينية. إسرائيل كيان عدواني فرض وجوده في المنطقة العربية بأسلوب قهري يستند إلى ايديولوجية «توراتية»، مفادها أن فلسطين وما حولها من أراضٍ عربية ميراث يهودي وفقاً لوعد إلهي.
انطلاقاً من هذه العقيدة الايديولوجية فان قيادات الدولة اليهودية في الماضي والحاضر والمستقبل المرئي، لا يتوافر لديها أدنى استعداد مبدئي للتنازل عبر وسيلة التفاوض السلمي، إلا إذا كان التفاوض يفضي عند نهاية المطاف ـ وبطريقة غير مباشرة ـ إلى تقوية القبضة الاحتلالية. إن الأمر من منظور القيادات الإسرائيلية، صراع وجود وبقاء بين الأمة اليهودية والأمة العربية.
هذه هي القناعة الموضوعية التي توصلت إليها قيادة حزب الله، فقررت أن الكفاح القتالي هو الخيار الأفضل، بل والأوحد للتعامل مع كيان الدولة اليهودية. هذا هو الفارق بين ذهنية حزب الله وذهنية الدولة اللبنانية بصورة خاصة والحكومات العربية بصورة عامة.
لقد كان مشهداً غريباً في مطار بيروت الدولي عندما حضر رئيس وزراء «الأكثرية» اللبنانية ووزرائها، لاستقبال الأسرى اللبنانيين من عناصر المقاومة الذين نجح حزب الله في تحريرهم بعد أن كان البعض يرفع الشعار عالياً ويسعى حثيثاً لتجريد المقاومة من السلاح.
ورغم أن نزع سلاح حزب الله قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، إلا أن الولايات المتحدة كانت القوة الرئيسية وراء صدور القرار. ألا يكون إذن من الإنصاف الموضوعي أن يقال إن مؤسسة الدولة اللبنانية بدت وكأنها توظف نفسها لحماية أمن الدولة الإسرائيلية عن طريق التجاوب مع طلبات واشنطن؟
ولنتساءل إذن: هل كان من المتاح أن تطلق إسرائيل سراح أسرى المقاومة عن طريق التفاوض، لو كان الطرف اللبناني المفاوض هو الحكومة؟