دلالات تبادل الأسرى الأخير
مع إتمام اتفاق تبادل الأسرى بين حزب الله اللبناني والطرف الإسرائيلي تكون المقاومة اللبنانية ممثلة بحزبها الرئيسي قد كرست نفسها حضوراً وفعلاً متميزاً، خصوصاً وأن الانتفاضة الفلسطينية وأبناءها الأسرى في سجون الاحتلال، والمقاومة في فلسطين بشكل عام، لم تكن مغيبة عن صفقة تبادل الأسرى وفق الآلية المعقدة التي اتبعها حزب الله في العملية التفاوضية عبر الوسيط الألماني، والنتائج الهامة التي آلت إليها.
وفوق كل هذا وذاك، فإن الرضوخ الإسرائيلي لعملية التفاوض الحصري مع حزب الله، والقبول بإدراج عدد من الأسرى الفلسطينيين من أبناء الضفة والقطاع، وباقي الأسرى العرب على قائمة المشمولين بالاتفاق/ الصفقة، يكرس أيضاً حزب الله على المستوى العربي كحزب مقاوم يمتلك المشروعية الوطنية.
ومع أن الصفقة، أو بشكل أدق عملية التبادل التي لم تكن الأولى في تاريخ حزب الله أو أي من المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، إلا أن العملية الأخيرة تمثل في حقيقتها العملية التبادلية الأهم في سياق ظروف ومعطيات الزمان والمكان. فحزب الله بإنجازه الأخير، وشمولية الاتفاق بتحرير أسرى ومقاومين من كافة الطوائف والاتجاهات والتلاوين الفكرية والسياسية.
وربطه أثناء التفاوض إتمام الصفقة بتحرير سمير القنطار ابن جبل لبنان والأسير الذي وقع في عملية فدائية في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية عام 1977 في نهاريا، والكشف عن مصير الأسير اللبناني يحيى سكاف الذي قاتل في صفوف حركة فتح، ووقع في الأسر اثر عملية الشهيدة دلال المغربي في الساحل الفلسطيني عام 1978، يكون قد حرص على إخراج المقاومة إلى انتمائها الأشمل لتكون مقاومة لبنانية شاملة، في الواقع السياسي والشعبي في لبنان.
فعملية التبادل انتصار وطني وقومي عروبي للبنان، كما تثبت عملية التبادل أن إجبار إسرائيل على تقديم التنازلات والرضوخ للمطالب والحقوق العربية، أمر ممكن جداً تحت ضغط وفعل المقاومة بكل أشكالها، كما أنها تحمل تأثيراتها المعنوية على الشارع الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، بما تعنيه من زيادة التآكل في سطوة القوة الإسرائيلية.
وفي مضمون عملية التبادل، يمكن القول إن استعادة سمير القنطار لحريته تعني تحرير وانتصار الإرادة العربية، وهو ما التقطته وسائل الإعلام وحتى الساحة السياسة والحزبية الإسرائيلية، فقد تم كسر القرار بالتمسك باعتقال سمير القنطار ما دام حياً. ففي كل عمليات التبادل السابقة كانت إسرائيل ترفض إطلاق سراح سمير القنطار رفضاً مطلقاً.
والاستثناء الوحيد كان عند اختطاف السفينة أكيلي لاورو الإيطالية عام 1984 من قبل مجموعة من جبهة التحرير الفلسطينية التي كان سمير ومازال ينتمي إليها، حيث كان على متن السفينة رعايا أميركيون وإسرائيليون، وطالبت المجموعة الفدائية بإطلاق سراح القنطار مع مجموعة من الأسرى. ويروي سمير أنه في ذلك اليوم جرى تجهيزه تمهيدا لإطلاق سراحه، ولكن المفاوضات مع الخاطفين فشلت بسبب رفض أي دولة عربية دخول السفينة المختطفة مياهها الإقليمية.
ومن جانب آخر، فإن عملية التبادل جاءت في توقيت حساس بالنسبة للشعب الفلسطيني في الداخل، حيث يتوقع أن تسحب نفسها حيثيات مفاوضات حزب الله مع الطرف الإسرائيلي عبر الوسيط الألماني، على المفاوضات المتوقعة بين حماس والعدو الإسرائيلي عبر طرف ثالث.
وستمكن حركة حماس والمقاومة بشكل عام من الوصول لصفقة مماثلة وربما بشروط أفضل، لإطلاق سراح الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليت، وهو ما يعيد الأمل لآلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، حيث جاءت عملية التبادل لتؤكد أن الحرية ليست بعيدة والحياة لن تتوقف عند الوقوع في الأسر، فالأمل موجود وساعة الانعتاق آتية للقيادات والكوادر وللأطفال والنساء، وأصحاب المحكوميات العالية.
أما في جانبها اللبناني الداخلي، فقد شكلت عملية التبادل تحولاً ايجابياً في المناخات الداخلية لصالح توطيد التوافق الداخلي الذي تشكل بعد اتفاق الدوحة، حيث عكست ذلك صورة الاستقبال الكبير للأسرى في مطار بيروت، بحضور القيادات اللبنانية الأولى ومن كافة الأحزاب والقوى والتشكيلات السياسية.