كالتزام القط.. بـ (التعفف عن السرقة)..!!
صحيفة الوطن العمانية
لعل التاريخ لم يسجل قدراً من التضليل سواء تضليل الذات أو تضليل الغير مثل ذلك النوع من التضليل الذي تمارسه حكومة “إسرائيل” أو يمارسه رئيسها أولمرت بالذات هذه الأيام فيما يتعلق بالاستيطان اليهودي في القدس وفي الأراضي العربية المحتلة.. رغم أن “إسرائيل” أخذت على نفسها (التزاماً) في مؤتمر أنابوليس بالتوقف عن بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بل والبدء بتفكيك عدد من هذه المستوطنات وصولاً لتفكيكها كلها كبادرة حسن نية من جانبها على تنفيذ التزاماتها اتجاه المجتمع الدولي.
ولكن وبعد انتهاء أعمال أنابوليس, وحال وصول أولمرت إلى مطار اللد – مطار بن جوريون- أصدر على الفور تعليماته بمواصلة استكمال المشاريع الاستيطانية وبمواصلة الاستيطان بمدينة القدس وفي حي أبو غنيم الذي يقع شرقي المدينة بالذات ناسياً أو متناسياً التزاماته أمام المجتمع الدولي في مؤتمر أنابوليس وكأن أولمرت يرفض بذلك رفضاً قاطعاً إلا الالتزام بتاريخ أسلافه في المنطقة العربية وطبيعتهم المراوغة في اقتناص الفرص لاكتساب أكبر قدر من المسروقات في ظل وعود منهم أشبه بوعد القط بالتعفف عن السرقة.. فعصابات الهاجاناة تمددت في فلسطين بعد قرار وقف إطلاق النار واحتلت من الأراضي أكثر بكثير مما فرضه مجلس الأمن الدولي في حينه كما أن شارون اندفع جنوبي ثغرة الدفر سوار إلى مدينة السويس في حرب 1973 بعد وقف إطلاق النار.. والأمثلة على تاريخ “إسرائيل” في استحالة تعفف القطط كثيرة وذلك منذ إنشائها على الأرض العربية.
أولمرت… التزم أمام المجتمع الدولي في أنابوليس إلا أنه سرعان ما تعهد لحركة شاس الاستيطانية بفرز كل أراضي البناء في محيط مدينة القدس لتوسيع المستوطنات وبالبناء على أراضي المواطنين الفلسطينيين في لقاء له مع زعيم حركة (شاس) الدينية الاستيطانية عوفاديا يوسف رغم أن أولمرت تعمد أن يكون تعهده مع الحاخام سرياً إلا أن قادة شاس أعلنوا عن ذلك أثناء جولة لهم في المستوطنة الدينية (بيتار عيليت) وأكثر من ذلك تحدوا أولمرت منذ أيام أن يكذب ما تعهده لهم وبالتوازي مع هذا التعهد أصدرت بلدية القدس الاحتلالية تصريحاً ببناء 600 وحده سكنية في مستوطنة (يسجات زئيف) شمال مدينة القدس على الطريق إلى مدينة رام الله.
إذاً لا تصدقوا هذا الرجل لأنه أبعد ما يكون ليس عن السلام فقط بل عن ألف باء عملية التسوية السياسية التي تقضي أول ما تقضي بوقف الاستيطان بل أكثر من ذلك فأولمرت استهجن (الادعاءات) القائلة بأن استمرار الاستيطان في مدينة القدس يخالف تعهدات الحكومة الإسرائيلية للفلسطينيين حيث علق أولمرت بقوله… إن ما يتم في القدس ليس استيطاناً بل بناء في أحياء يهودية قائمة وواصل لا حاجة لنا للإعلان كل يوم بأننا سنواصل البناء فيها مشدداً أننا لن نغادر الكتل الاستيطانية.
هذا التبرير الفارغ والكلام المعوج سرعان ما كشفه رئيس بلدية القدس (لوبلينسكي) الذي أعلن أول الشهر الحالي… بأن البناء الذي يتم في القدس هو جزء من خطة استيطانية كبرى تشمل بناء 49 ألف وحده سكنية في منطقة القدس واستغرب قائلاً أية مشكلة في إقامة هذه المساكن والأحياء خلف الخط الأخضر!
أولمرت وغيره من المسئولين الإسرائيليين لا يرون أي غرابة أو مشكلة في استمرار الاستيطان حتى لو تم تحت اصطلاح كلمة (بناء) ومشكلة أولمرت أنه دائم التذاكي ويعتقد غباء الآخرين.. لأنه في الوقت الذي يوغل فيه في سياسة التضليل تدير وزيرة خارجيته تسيبي ليفني.. مفاوضات مع الجانب الفلسطيني على إخلاء بعض المستوطنات اليهودية نظرياً فيما تواصل حكومتها خطط تكثيف الاستيطان عبر خطط بناء آلاف الوحدات الاستيطانية إضافة كذلك إلى نقل مئات من مستوطني جوش قطيف الذين اخلوا من مستوطنات غزة إلى مستوطنات في الضفة إلى الحد الذي تساءلت الصحف العبرية عن المعنى في قرار المحكمة العليا عن إخلاء كرفان في إحدى المستوطنات في الوقت الذي يصادق فيه وزير الدفاع إيهود باراك على بناء عشرات المساكن في مستوطنة أرائيل ومستوطنات أخرى لمستوطنين نقلوا من قطاع غزة وما كان لهم السكن في مستوطنات إلا أنهم وصلوا إلى مستوطنات الضفة فعلاً… الاستيطان الذي التزم بوقفه أولمرت أمام العالم.. قائم على قدم وساق وذلك في سياق حملة تضليل واسعة تقوم بها حكومة أولمرت هذه الأيام لدرجة أن المراقبين في “إسرائيل” وغيرها يلهثون وراء فهم ما يجري في محاولة للوقوف على حقيقته إلى الدرجة التي خلصت فيها صحيفة هارتس إلى القول… إن “إسرائيل” تواصل العمل ضد نفسها وضد مستقبلها وضد كل فرصة لوجود دولتين الواحدة إلى جانب الأخرى.