عين على العدو

بحثا عن القواسم المشتركة

 


رغم أنه يثبت دائما أن الحوار بين الأطراف المختلفة، حول كل القضايا وعلى كل المستويات، هو الطريق الوحيد إلى التفهم والفهم والتفاهم المتبادل، وهو البديل الصحيح والممكن لسوء الفهم والمواجهة، بقيت وسيلة الحوار ذاتها محل خلاف مع أنصار الصدام أو بين المؤيدين له والمتحفظين عليه.. إما لأهدافه أو لأطرافه أو لزمانه أو لمكانه.


 


وحسبما قال الملك عبد الله بن عبد العزيز في مؤتمر مدريد للحوار بين الأديان، فإن معظم الحوارات في الماضي لم تنجح «لأنها تحوّلت إلى تراشق يركز على الفوارق ويضخمها، وهذا يزيد التوترات ولا يخفف من حدتها، أو لأنها حاولت صهر الأديان والمذاهب بحجة التقريب بينها، وهذا مجهود عقيم.


 


وإذا كنا نريد لهذا اللقاء التاريخي أن ينجح، فلا بد أن نتوجه إلى القواسم المشتركة التي تجمع بيننا، وهي الإيمان العميق بالله والمبادئ النبيلة والأخلاق العالية التي تمثّل جوهر الديانات».


 


غير أن مؤتمرات الحوار، خصوصا بين الأديان، تبدو ضرورتها وجدواها أساسية من زاويتين.. الأولى أن القيم المادية التي طغت وأطغت القسم الأكبر من العالم، أخذته بعيدا عن القيم الإنسانية العليا التي تبشر بها كل الأديان السماوية على اختلافها، والحوار بين الأديان يمكن هذه القيم المشتركة من توجيه مناشط الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية لما فيه خير الإنسانية.. والثانية أن ما يقرب بين الأديان السماوية أكبر مما يباعد بينها، لأنها جميعا نبعت من مصدر واحد وتستهدف هدفا أساسيا واحدا، هو الإيمان بالله وعمارة الأرض وتحقيق العدل والحرية والكرامة لكل بنى الإنسان، بغض النظر عن الجنس واللون والعقيدة.


 


والواضح أن ما يعانيه العالم كله من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، إنما هي في جوهرها أعراض لأمراض إنسانية وفكرية، ونتائج لأزمات روحية وثقافية..


 


وهذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين بقوله «إن البشرية اليوم تعاني من ضياع القيم والتباس المفاهيم، وتمر بفترة حرجة تشهد، بالرغم من كل التقدم العلمي، تفشي الجرائم واستغلال الأقوياء للضعفاء والأغنياء للفقراء، والنزعات العنصرية البغيضة، وهذه كلها نتائج للفراغ الروحي الذي يعاني منه الناس بعد أن نسوا الله فأنساهم أنفسهم..».


 


وأن ما يفصل بين شماله وجنوبه من فجوات واسعة بسبب علاقات الاستعلاء والاستغلال من طرف قوي لضعيف أو غني لفقير، وطرف متحد ذي استراتيجية للهيمنة على طرف مجزأ بلا استراتيجية للاتحاد والتنمية، إنما ينبع من سيادة القيم المادية على القيم المعنوية، وغياب احترام قيم العدالة والمساواة والتعاون على أسس من الحقوق الإنسانية في العدل والحرية..


 


وأن ما يباعد بين شرقه وغربه من سوء فهم كل للآخر، بسبب الحواجز النفسية والفكرية والصور الذهنية المشوهة التي صنعتها علاقات مضطربة عبر التاريخ الطويل من العداء والمواجهة التي راكمتها الحروب الصليبية، والعقود الاستعمارية، وبسبب تفتيت الغرب للوطن العربي والأمة الإسلامية، وزرع الغرب لإسرائيل كقاعدة عسكرية له في الشرق باغتصاب فلسطين.


 


ولهذا بقيت الحاجة ملحة للحوار بديلا عن المواجهة بين الأديان وبين الحضارات وبين الثقافات، بحثا عن القواسم المشتركة، في مقابل تردد الدعوات للصراع والصدام بين الأديان وبين الحضارات والثقافات، وبعد اشتداد الأزمات الإنسانية العالمية بسبب اشتداد سوء الفهم والجهل المتبادل بالصور الحقيقية الصحيحة سواء للذات أو للآخر، وبسبب البعد عن القيم الدينية السماوية العليا التي توفر للإنسانية الأرضية المشتركة للوقوف عليها والتعاون المشترك في مواجهة تلك الأزمات.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى