لوبي يهودي أمريكي مضاد لـ “إيباك”
في مقال سابق في هذه الصفحة بعنوان (لوبي عربي للدفاع عن القضايا العربية) بتاريخ 13/4/2006 تساءلت: إذا كانت “إسرائيل” قد استطاعت إنشاء جماعات ضغط تعمل لصالحها في الولايات المتحدة منذ 60 عاماً، فلماذا لم يفكر العرب في إنشاء جماعات ضغط تعمل لصالح القضايا العربية، وخصوصاً بعد أن أصبح للأمريكيين من أصل عربي ثقل انتخابي في عدد من الولايات الأمريكية المهمة؟ كما أن الاستثمارات الاقتصادية والمالية العربية في الولايات المتحدة تتجاوز ألف بليون دولار أمريكي (اليوم أي بعد عامين وصلت إلى حدود ألفي بليون دولار). وأضفت: أنه بات من الضروري على الحكومات العربية أن تعمل مع الأمريكيين من أصل عربي لإنشاء لوبي عربي يدافع عن القضايا والمصالح العربية، وذلك عن طريق:
1 ـ دعم المؤسسات العلمية ومراكز الدراسات الاستراتيجية التي يديرها ويشرف عليها أمريكيون من أصل عربي.
2 ـ تطوير العلاقات مع المؤسسات العلمية ومراكز الدراسات الاستراتيجية التي يديرها ويشرف عليها أمريكيون محايدون تهمهم مصلحة بلادهم، وتمويل الدراسات التي تعدها هذه المؤسسات والمراكز حول المصالح الأمريكية في الموطن العربي.
3 ـ الدعم والوقوف بجانب الباحثين والأكاديميين والسياسيين الأمريكيين الذين يتعرضون لضغوط اللوبي الإسرائيلي بسبب مواقفهم المؤيدة للقضايا العربية.
مع ازدياد الشكوك في قدرة إدارة الرئيس بوش، وهي في نهاية ولايتها، على معالجة الأوضاع الأساسية التي تقوض حل الدولتين، هناك مؤشرات أخرى تشير إلى أن اليهود الأمريكيين الذين يمارسون ضغوطاً مباشرة على الكونجرس ودوائر القرار الأمريكي، بدأوا يميلون إلى فكرة الحل البديل القائم على إيجاد صيغة تعايش مع الفلسطينيين أقرب ما تكون إلى الفيدرالية، تقود في النهاية إلى قيام الدولة الواحدة الثنائية القومية. والدليل على ذلك أنه بعد ستة عقود على إنشاء “إسرائيل”، أعلن في شهر مايو 2008 قيام أول منظمة من اليهود الأمريكيين تركز على دعم سياسة أمريكية تؤمن بالتحرك الفعلي في اتجاه تسوية سلمية حقيقية في الشرق الأوسط. اسم المنظمة الجديدة “جي ستريت” وهي تشكل التحدي الأكبر لأقوى جماعات الضغط الموالية ل”إسرائيل” وهي “لجنة العلاقات العامة الأمريكية – الإسرائيلية (إيباك)”.
المنظمة الجديدة قررت الوقوف في وجه التشدد الإسرائيلي – الأمريكي، حيث تعتبر هذا التشدد كارثة على المصالح الأمريكية والإسرائيلية معاً ومستقبل التعايش في المنطقة، وهي ترفع شعار “مؤيدون ل”إسرائيل” مؤيدون للسلام”. البيان الأول للمنظمة التي تضم جيرمي بن عامي المستشار السابق في إدارة الرئيس بيل كلينتون، ودانييل ليفي المستشار السابق لايهود باراك من بين المؤسسين، دعا البيان إلى إعادة تعريف “تأييد إسرائيل” في السياسة الأمريكية، بعدما صارت أفكار اليمين المتشدد والمحافظين الجدد هي التي تحكم هذه العلاقة.
أنصار السلام هؤلاء سينشطون في انتخابات الكونجرس المقبلة فضلاً عن انتخابات الرئاسة، وسوف يدعمون عدداً من المرشحين لإيصال صوتهم إلى مجلس الشيوخ، وقد بدأوا يستقطبون عشرات ومئات المؤيدين اليهود والأمريكيين، ويجذبون تمويلاً وتبرعات من الجناح الليبرالي داخل المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة كما في “إسرائيل”. ويأمل المؤسسون رفع موازنة المنظمة من مليون ونصف المليون دولار إلى عشرات الملايين من الدولارات في فترة قريبة، من أجل الوقوف في وجه “إيباك” الذي يصل مجموع ودائعها إلى حوالي 100 مليون دولار، وعدد أعضائها إلى 100 ألف شخص في 18 ولاية أمريكية.
ومن العوامل التي يمكن أن ترفع حجم التبرعات للمنظمة الجديدة زيادة التبرعات على الانترنت للمرشح الديمقراطي باراك أوباما خلال حملته الانتخابية الأخيرة، الذي بات مصدر الهام لليبراليين الأمريكيين الذين يريدون كسر الاحتكار القائم للقرار السياسي في الولايات المتحدة. وفي اعتقاد كثير من المراقبين أن منظمة “جي ستريت” سوف توجد حالة جديدة يمكن أن تظهر الخلافات الفكرية والعقائدية بين فريقين من اليهود الأمريكيين بصورة لم تحدث من قبل، ويمكن أن تمثل بداية جديدة للتواصل مع الأطراف والحكومات العربية داخل الولايات المتحدة وخارجها تقود إلى بناء أجندة مشتركة للسلام في الشرق الأوسط. وتؤيد منظمة “جي ستريت” الانسحاب الأمريكي من العراق، وإقامة علاقة ودية مع سورية وتجنب أي مواجهة عسكرية مع إيران، وهي مواقف تناقض تماماً مواقف “إيباك”. وتتفاوت ردود فعل اليهود الأمريكيين من أطروحات “جي ستريت”، إلا أن كثيرين يرون فيها تحولاً (أو بداية تحول على الأقل) عن السياسات الأمريكية المتشددة تجاه العرب والفلسطينيين خاصة، ومحاولة لتأسيس حالة تعايش تقود في نهاية المطاف إلى سلام يسمح بإقامة الدولتين أو الدولة الواحدة الثنائية القومية.
وفي اعتقادي أن هذه فرصة تاريخية لأنظمة الحكم العربية أن تقوم بدعم هذه المنظمة بعد الاطلاع ودراسة أهدافها واستراتيجية عملها، بالتعاون والتنسيق مع المؤسسات العلمية ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية التي يديرها ويشرف عليها أمريكيون من أصل عربي، معروفون بعملهم الدؤوب والمخلص في الدفاع عن القضايا العربية وفي مقدمها القضية الفلسطينية.
(المصادر: (1) أدبيات مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي. (2) المشاهد السياسي العدد 638).